التحكيم في العقود التجارية الدولية
يعد التحكيم طريقاً استثنائياً لفض المنازعات عمومأ، وتلك التي تنشب عن إبرام أو تنفيذ عقود التجارة الدولية على وجه الخصوص، فهذا النوع من المنازعات يتسم بالتشعب والتعقيد نظراً لارتباطه بالعديد من العناصر الأجنبية التي تنتمي إلى نظم قانونية مختلفة ومتباينة، ومن ثم فإنه من الصعب إخضاعها لقضاء دولة معينة، لأن الفضل فيها يتم وفقاً لقواعد تسمو أو- إن شئنا- تتمرد على القوانين الداخلية. لكل ذلك فإن التحكيم أصبح الآن – أكثر من أي وقت مضى ضرورة ملحة كطريق للفصل في نزاعات عقود التجارة الدولية.
ويتم اللجوء إلى التحكيم التجاري عن أحد طريقين: إما بموجب بند مدرج في العقد الأصلي الذي ثار بشأنه النزاع أو وفقاً لمشارطه مستقلة عن هذا العقد تتضمن أوجه الخلاف بين الطرفين.
وسواء تم اللجوء للتحكيم وفقاً لاتفاق أو مشارطة التحكيم، فإن هذا التحكيم قد يكون تحكيماً خاصاً^ويعرف (ADHOC) ويقوم الخصوم بتنظيم كافة جوانبه الإجرائية والموضوعية، وقد يكون تحكيماً دائماً أو منظماً حيث يقتصر دور إرادة الخصوم فيه على مجرد الاتفاق إلى اللجوء إليه أما فيما يتعلق بإجراءات التحكيم المختلفة وحتى القانون الواجب التطبيق على النزاع فعادة ما يكون منصوص عليها في اللائحة الخاصة بالغرفة الدولية التي تنظر النزاع .
ولكي يكون التحكيم تجارياً يجب أن يتعلق بمنازعة ذات طابع تجاري، وقد اتسع مفهوم العمل التجاري على المستوى الدولي وأصبح يشمل العديد من الموضوعات التي تعتبر بطبيعتها أعمالاً مدنية. وكذلك هناك مجموعة من المعايير يتم وفقاً لها معرفة متى يكون التحكيم دولياً منها القانون الواجب التطبيق على النزاع، وجنسية ومحل إقامة الخصوم وطبيعة المنازعة ولغة ومكان التحكيم وجنسية المحكمين وبلد إبرام العقد وتنفيذه والأخذ بأي من هذه المعايير يتم وفقاً لظروف كل نزاع على حده، ويتمتع المحكم هنا بحرية واسعة.
هذا، وقد ثار الخلاف حول القانون الواجب التطبيق على النزاع من حيث الإجراءات أو الموضوع، وكان الأمر بالنسبة للإجراءات أكثر بساطة وسهولة.
حيث أن الخصوم يحددون تلك الإجراءات بأنفسهم أمام التحكيم الخاص، وإذا كان الأمر متعلق بتحكيم دائم فإن لوائح الغرف الدولية للتحكيم تنظم تلك الإجراءات تفضيلاً أما فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع. فيطبق قانون إرادة الخصوم الصريحة والضمنية، وإذا لم يتفق الخصوم على قانون معين يطبق القانون الأكثر ارتباطاً بالنزاع، ويكون من حق المحكم أيضاً أن يطبق قواعد وأعراف التجارة الدولية أو قوانين الدول المتحضرة. ^^
وبعد صدور حكم التحكيم يتم تنفيذه في إحدى الدول التي نشأ فيها النزاع، ويخضع هذا التنفيذ لمجموعة من الضوابط من أهمها عرض الحكم على الجهة المختصة في بلد التنفيذ للتأكد من احترامه للإجراءات الجوهرية كحق الدفاع ومبدأ المواجهة، ويتأكد من عدم مخالفته للنظام العام في بلده وعلى ذلك بأن القاضي عندما يضع الصيغة التنفيذية على الحكم لا يعتبر جهة استئناف بالنسبة لهيئة التحكيم التي أصدرته لأنه لا يتعرض لموضوعه.
وتحكم اتفاقية نيويورك سنة 1958 م بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية مسائل تنفيذ حكم التحكيم وتبين مستندات هذا التنفيذ وشروطه وموانعه. وقد انضمت المملكة العربية السعودية إلى هذه الاتفاقية سنة 1414هـ^، ومن ثم أصبح تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية يتم في المملكة وفق لأحكامها. ويختص ديوان المظالم بنظر طلب تنفيذ الأحكام الأجنبية وفقاً للقواعد المنظمة للإجراءات والمرافعات أمامه.