التحكيــــم
وعلاقته بقضاء الدولة فى ضوء أحكام
قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية
الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994
أ.د. حسن البدراوي
المستشار بمحكمة النقض
وإدراة التشريع بوزارة العدل ـ القاهرة
مقدمـــــة:
ــــــــ
من المسلمات فى الحياة الدستورية المعاصرة قيام نظام الحكم فى الدولة الحديثة على سلطات ثلاث رئيسية تضطلع كل سلطة منها بوظيفة أساسية فى تسيير قاطرة الحياة وتتضافر جهودها معا لتوفير النظام والأمن والرفاهية للمواطنين، تلكم هى السلطة التشريعية المعنية أساساً بالتشريع والرقابة على عمل السلطة التنفيذية فيما تضطلع به من تنفيذ السياسة العامة للدولة واشباع الحاجات الدائمة والمتجددة للأفراد وهى السلطة التى يعبر عنها بتعبير (الحكومة)، والسلطة القضائية التى تنيطها الدساتير المختلفة ولاية الفصل فى الخصومات تحقيقاً للترضية القضائية التى يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التى أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التى يطلبونها.
والأصل أن ولاية الفصل فى الخصومات معقودة للسلطة القضائية التى هى إحدى السلطات الرئيسية فى الدولة الحديثة تضطلع بها وتسهر على أدائها عبر المحاكم المختصة وفقاً لآليات التقاضى المختلفة التى يستخدمها المتقاضون نفاذاً الى رحابها بغية الحصول على الترضية القضائية على نحو ما أسلفنا، بما مؤداه أن اللجوء الى هذه السلطة للحصول على تلك الترضية حق للمواطن لا يجوز تكبيله بقيود تعسر الحصول عليها وإلا كان ذلك إخلالاً بالحماية التى كفلها الدستور لهذا الحق وإنكاراً لوجه العدل فى جوهر ملامحه.
وإذا كان من واجبات الدولة الحديثة والتزاماتها الأساسية أن يتضمن تكوينها العام سلطة قضائية مستقلة تتمتع بالحيدة والنزاهة والكفاءة، وأن تشتمل هذه السلطة على محاكم منتشرة فى ربوع تلك الدولة تيسر على المواطن استخدام حقه فى اللجوء الى قاضيه الطبيعى، فإنه ليس فى ذلك كله ما يفرض على المواطن أن يلجأ الى تلك المحاكم حالياً خصمه الى ساحاتها ليناضلا هجوماً ودفعاً ودفاعاً فى رحابها، بل قد يتفق الطرفان على اختيار آلية أخرى لحل النزاع الناشب بينهما.
التحكيم قضاء اتفاقي:
ــــــــــ
لعل من أكثر هذه الآليات ذيوعاً وفاعلية فى العصر الحديث الذى يولى اعتبارات التجارة أهمية كبرى، وينزلها منزلاً علياً فى منظومة الحياة المعاصرة (نظام التحكيم) والذى يتمثل ـ حسب أصله ـ فى عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باختيارهما أو بتفويض مهماً أو على ضوء شروط يحددانها ليفصل هذه المحكم فى ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة مجرداً عن التحامل وقاطعاً لداير الخصومة فى جوانبها التى أحالها الطرفان اليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية.
فالتحكيم إذن مبناه ومصدره الاتفاق الذى يحدد طرفاه نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما أو المسائل الخلافية التى يمكن أن تعرض لهما، واليه ـ أى إلى هذا التحكيم الاتفاقي ـ ترتد السلطة الكاملة التى يباشرها المحكمون عند البت فى هذه المسائل، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه وتنفيذه تنفيذاً كاملاً وفقاً لفحواه، فيؤول التحكيم بذلك وينحل الى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل فى نزاع وركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون من سلطاتهم فى يتولون مهامهم بإسناد من الدولة.
وإذ كان ما تقدم بشكل أساس التحكيم وقوامه، ويعكس بالتالى طبيعته إلى تستند إلى الاختيار وتتولد عن الإرادة الحرة لأطرافه فمن ثم ـ والحال كذلك ـ لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون التحكيم إجبارياً يذعن إليه أحد الطرفين إنفاذاً لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها وإلا تحول التحكيم إلى آلية قسرية تجرى تسلطاً وكرهاً، وتمثل بالتالى قيداً بل مصادرة لحق المواطن فى اللجوء إلى قاضية الطبيعي المنصوص عليه فى المادة 68 من دستور 1971. (يراجع فى ذلك ـ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 3 يوليو 1999 فى الطعن رقم 104 لسنة 20 ق دستورية والمنشور فى الجريدة الرسمية ـ العدد 28 فى 15 يوليو 1999 بعدم دستورية نظام التحكيم فى المنازعات بين أصحاب البضائع ومصلحة الجمارك ـ وحكمها الصادر بجلسة 6 يناير 2001 فى الطعن رقم 65 لسنة 18 ق دستورية والمنشور فى الجريدة الرسمية العدد 3 فى 18 يناير 2001 بعدم دستورية نظام التحكيم فى قانون الضريبة العامة على المبيعات).
أسس القانون رقم 27 لسنة 1994 ومدى مراعاته لطبيعة التحكيم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استجابة للمتغيرات الاقتصادية العالمية، وأخذاً من مصر بنظام الاقتصاد الحر الذى تشكل سياسة جذب الاستثمارات الوطنية والعربية والأجنبية قاعدة الأساس فى تفعيل حركته أصدرت مصر العديد من القوانين ذات التأثير المباشر على النشاط الاقتصادى بوجه عام استهدفت توفير مناخ آمن للاستثمار، بيد أن هذه القوانين الموضوعية ظلت بحاجة الى قانون إجرائي خاص يوفر نظاماً قضائياً يسير على القواعد والأصول التى استقرت فى المعاملات التجارية الدولية، ولما كان التحكيم ـ حسبما أسلفنا ـ هو الأسلوب السائد فى هذه المعاملات فقد أصدرت الدولة القانون رقم 27 لسنة 1994 لا سيما بعد ما تبين من قصور قواعد التحكيم الواردة فى قانون المرافعات المدنية والتجارية (المـواد مـن 501 : 513) والتى ألغاها هذا القانون ـ التى وضعت خصيصاً للتحكيم الداخلى دون أن تأخذ فى الاعتبار طبيعة المنازعات التجارية الدولية ومتطلبات فضها.
وقد قام هذا القانون على عدة أسس تعكس جميعها إدراك المشرع لطبيعة نظام التحكيم من حيث:
أولاً: مواكبة الاتجاهات الدولية الحديثة بشأن التحكيم التجارى:
ــــــــــــــــــــــــــــ
وقد تجلى ذلك فى نقل الأحكام الموضوعية الواردة فى القانون النموذجى للتحكيم التجاري الدولى الصادر عن لجنة قانون التجارة الدولية التابعة للأمم المتحدة (UNCITRAL) فى عام 1985، والالتزام بتقسيم أبوابه وتوزيع نصوصه، وإقامة توازن بين طابع الصياغة العالمية كما وردت فى القانون النموذجى ومقتضيات الصياغة التشريعية الوطنية.
ثانياً: مراعاة طبيعة التحكيم من حيث كونه قضاءاً إتفاقياً
مبناه حرية إرادة الأطراف وعدم فرضه بنص آمر:
ـــــــــــــــــــــــــ
وقد تجلى ذلك فيما نصت عليه المادة الرابعة ـ الواردة فى الباب الأول (الأحكام العامة) والتى أفردها المشرع للتعريفات ـ فى البند الأول منها من أن لفظ التحكيم فى حكم هذا القانون ينصرف الى "التحكيم الذى يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة سواء كانت الجهة التى تتولى إجراءات التحكيم بمقتضى اتفاق الطرفين منظمة أو مركز دائم للتحكيم أو لم يكن كذلك".
ثالثاً: احترام إرادة طرفي التحكيم بإفساح الحرية لهما
لتنظيمـه بالكيفيــة التــى تناسبهمــــا:
ــــــــــــــــــــــــ
وقد تجلى ذلك فيما انتهجه المشرع من نهج يقوم على أن يترك للطرفين حرية الاتفاق على كيفية تعيين المحكمين وتسميتهم واختيار القواعد التى تسرى على الإجراءات وتلك التى تطبق على موضوع النزاع، وتعيين مكان التحكيم واللغة التى تستعمل فيه، مع وضع قواعد احتياطية تطبق عندما لا يوجد اتفاق.
رابعاً: الأخذ بمبدأ السرعة فى إنهاء الإجراءات لإصدار حكم التحكيم:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد تجلى ذلك فيما أجازه المشرع لهيئة التحكيم من الاستمرار فى الإجراءات رغم الطعن فى قرارها واختياره مواعيد معقولة للإجراءات، ووضع حداً زمنياً يجوز للطرفين بعد انقضائه طلب إنهاء الإجراءات تمهيداً لرفع النزاع لى قضاء الدولة.
خامساً: الأخذ بمبدأ استقلال هيئة التحكيم كأثر من
آثـار طبيعة التحكيم وكونه قضاءاً اتفاقياً:
ـــــــــــــــــــــ
وقد تجلى ذلك فيما انتهجه المشرع من نهج يقوم على اختصاص هيئة التحكيم بالفصل فى الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها، وهو ما يعرف فى فقه التحكيم بمبدأ (اختصاص الاختصاص)، وعدم جواز الطعن فى أحكام هيئة التحكيم بالطرق المنصوص عليها فى قانون المرافعات المدنية والتجارية.
وإذا كان ما تقدم جميعه يعكس طبيعة نظام التحكيم والأسس والقواعد الأصولية التى يستند عليها من كونه قضاءاَ اتفاقياَ مبناه حرية إرادة أطرافه فى تنظيمه بالكيفية التى تناسبهما، وقيامه على مبدأ السرعة فى الإجراءات واستناده على مبدأ استقلال هيئة التحكيم، بما قد يوحي به ذلك كله من قيام انفصال تام بينه وبين قضاء الدولة، إلا أن الأمر جد مختلف، فلقضاء الدولة دوره الطبيعي فى منازعات التحكيم، إذ أن هناك مسائل لا غنى لهيئة التحكيم عن الاستعانة فى شأنها بقضاء الدولة فكيف نظم القانون رقم 27 لسنة 1994 ذلك؟ هذا ما سوف نعالجه فى السطور التالية.
دور قضاء الدولة فى منازعة التحكيم فى ضوء
أحكـام القانـون رقـم 27 لسنــة 1994:
ــــــــــــــــــــــــ
أولاَ: تحديد المحكمة المختصة:
ــــــــــــ
إدراكاَ من المشرع للدور الطبيعي لقضاء الدولة فى منازعات التحكيم فقد حرص فى معرض تحديده للأحكام العامة فى الباب الأول من القانون على أن يحدد المحكمة المختصة بنظر مسائل التحكيم التى يحيلها القانون الى قضاء الدولة آخذاَ فى ذلك بقاعدة أن "محكمة البداية هى محكمة النهاية" بمعنى أن تظل المحكمة التى ينعقد لها الاختصاص دون غيرها صاحبة الاختصاص حتى انتهاء جميع إجراءات التحكيم وفى ذلك ما يصون منازعة التحكيم من أن تقطع أوصالها بين أكثر من محكمة.
وفى معرض تحديد المحكمة المختصة فرق المشرع بين التحكيم ذو الطابع التجاري الدولي وذلك لا يحمل هذا الطابع ففيما يتعلق بذلك الذى لا يحمل هذا الطابع حدد المشرع المحكمة المختصة أصلاَ بنظر النزاع محكمة مختصة بنظر مسائل التحكيم، ولم يخرج عن ذلك إلا بصدد دعوى بطلان حكم التحكيم، إذ عقد الاختصاص بنظرها لمحكمة الدرجة الثانية التى تتبعها المحكمة المختصة أصلاَ بنظر النزاع (م 54/2).
أما بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي: فقد يسر المشرع على أطراف التحكيم فعقد الاختصاص بنظر مسائلة لمحكمة استئناف القاهرة إلا إذا اتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى (م 9).
ثانياَ: اتفاق التحكيم:
ـــــــ
أجاز المشرع أن يتم اتفاق التحكيم ولو كان قد رفع بشأن النزاع محله دعـوى أمام قضاء الدولة وواجب أن يحدد هذا الاتفاق المسائل التى يشملها التحكيم وإلا كان الاتفاق باطلاَ (م 10/2).
واعترافاَ من المشرع باتفاق التحكيم بما يعنييه من نزول طرفين عن حقهما فى الالتجاء الى قضاء الدولة فقد ألزم محاكم الدولة التى يرفع إليها نزاع يوجد بشأن اتفاق تحكيم أن تحكم بعدم قبول الدعوى بشرط أن يدفع المدعـى عليـه بهـذا الدفـع قبـل إبداء أي طلب أو دفاع فى الدعوى (م 13/1)، وأجاز المشرع البدء فى إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها أو إصدار حكم التحكيم ولو كانت تلك الدعوى قد رفعت بالفعل (م 13/2).
ثالثاَ: التدابير المؤقتة والتخطيطية:
ــــــــــــــ
أجاز المشرع للمحكمة المختصة ـ على حسب الأحوال ـ أن تأمره بناء على طلب أحد طرفي التحكيم، سواء قبل البدء فى إجراءاته أو أثناء سير هذه الإجراءات باتخاذ تدابير مؤقتة أو تخطيطية (م 14).
كما أجاز ذلك لهيئة التحكيم إذا اتفق الطرفان على ذلك وطلب أحدهما، وأجاز للهيئة أن تطلب تقديم ضمان كاف لقضية نفقات التدبير الذى تأمر به، كما أجاز لها ـ فى حالة تخلف من صدر اليه الأمر عن تنفيذه ـ أن تأذن للصادر لصالحه الأمر فى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه (ولا تجل ذلك بحق هذا الطرف فى أن يستخدم الرخصة المخولة له فى المادة 14) (م 24).
رابعاَ: هيئة التحكيم:
ــــــ
(أ) من حيث تشكيلها: الأصل هو أن يتم هذا التشكيل (اختيار المحكمين وكيفية ووقت اختيارهم) باتفاق الطرفين، فماذا إذا لم يتفقا؟ وماذا إذا اتفقا وخالف أحد الطرفين الإجراءات التى اتفق عليها؟ فى حالة عدم الاتفاق يختلف الأمر بحسب ما إذا كانت الهيئة مشكلة من محكمة واحد أو ثلاثة محكمين:
(1) فإذا كانت الهيئة مشكلة من محكم واحد تولت المحكمة المختصة ـ على حسب الأحوال ـ اختياره بناء على طلب أحد الطرفين.
(2) أما إذا كانت الهيئة مشكلة من ثلاثة محكمين ولم يعين أحد الطرفين محكمة خلال الثلاثين يوماً التالية لتسلمه طلباَ بذلك من الطرف الآخر، أو إذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث خلال الثلاثين يوماً التالية لتاريخ تعيين آخرها تولت المحكمة المختصة ـ على حسب الأحوال ـ اختياره بناء على طلب أحد الطرفين. (يسرى هذا الحكم أيضاَ فى حالة تشكيل الهيئة من أكثر من ثلاثة محكمين).
أما فى حالة وجود اتفاق وخالف أحد الطرفين الإجراءات المتفق عليها أو اختلاف المحكمان على أمر يلزم اتفاقهما عليه تولت المحكمة المختصة ـ على حسب الأحوال ـ بناء على طلب أحد الطرفين القيام بالإجراء أو العمل المطلوب ـ قرار المحكمة باختيار المحكم لا يقبل الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن إلا إذا توافر فيه حالة من حالات الرد (م 17) وسوف نعالج الرد فى الفقرة التالية.
(ب) من حيث رد المحكم:
الأصل أن لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكاَ جدية حول حيدته واستغلاله، كما لا يجوز للطرف رد المحكم الذى عينه أو اشترك فى تعيينه إلا لسبب تبينه بعد أن تم التعيين (م 18).
أما عن طلب الرد وإجراءات نظره والفصل فيه، فقد كانت المادة (19) من القانون وقت صدوره تجعل من هيئة التحكيم سلطة فصل فى طلب الرد، وتقيم المحكمة المختصة سلطة طعن فى قرار الهيئة، وكان مؤدى ذلك أن المشرع ناط الفصل فى خصومة رد المحكم بهذا المحكم نفسه طالما أن لم يتنح وظل متمسكاً بنظر النزاع وذلك إذا كانت هيئة التحكيم أحادية (مشكلة منه وحده)، أما إذا كانت الهيئة مشكلة من أكثر من محكم وكان طلب الرد يتناول بعضهم أو يشملهم جميعاَ اختصوا بالفصل فى هذا الطلب.
وقد طعن على هذا النص أمام المحكمة الدستورية العليا بالطعن رقم 84 لسنة 19 ق دستورية وصدر حكمها بجلسة 6 نوفمبر 1999 قاضياَ بعدم دستورية العبارة الواردة بالبند (1) من المادة (19) والتى تنص على أن "فصلت هيئة التحكيم فى الطلب" تأسيساً على أن ذلك ينافي قيم العدل ومبادئه وينقض مبدأ خضوع الدولة للقانون وينهك ضمان الحيدة التى يقتضيها العمل القضائية بالنسبة الى فريق من المتقاضين مما يخالف أحكام المواد 40، 65، 67، 68، 69 من الدستور.
وعلى أثر ذلك تدخل المشرع وعدل نص المادة (19) بمقتضى القانون رقم (
لسنة 2000 ضبطاَ بالمحكمة المختصة ـ على حسب الأحوال ـ الفصل فى طلب الرد ـ بعد إحالته إليها بغير رسوم ـ بحكم غير قابل للطعن.
(ج) من حيث إنهاء مهمة المحكم:
أجاز المشرع ـ بناء على أحد الطرفين ـ أن تنهى المحكمة المختصة مهمة المحكم وذلك إذا تعذر عليه أدائها أو لم يباشرها أو انقطع عن أدائها بما يؤدى الى تأخير لا مبرر له فى إجراءات التحكيم (م 20).
(د) من حيث الفصل فى الدفوع المتعلقة بعدم اختصاص هيئة التحكيم:
الأصل أن تفصل الهيئة فى هذه الدفوع بما فيها تلك المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله لموضوع النزاع، وذلك قبل الفصل فى الموضوع أو أن تضمها للموضوع لتفصل فيهما معاَ ـ فإذا قضت بقبولها فلا مشكلة ـ أما إذا قضت برفض الدفع، فلا سبيل أمام من يتمسك به إلا برفع دعوى بطلان حكم التحكيم المهنى للخصومة كلها (م 22).
خامساً: إجراءات التحكيم:
ـــــــــ
القاعدة الأساسية فى الإجراءات هى حرية الطرفين فى اختيار قواعد الإجراءات شريطة مراعاة أصول التقاضى وفى مقدمتها المساواة بين الطرفين وتهيئة فرصة كاملة ومتكافئة لكل منهما لعرض قضيته.
وعلى الرغم من ذلك فإن طبيعة الأمور اقتضت أن يكون لقضاء الدولة دور فى هذا الخصوص، وقد راعى المشرع ذلك فاختص رئيس المحكمة المختصة ـ على حسب الأحوال ـ بناء على طلب هيئة التحكيم بأن:
(أ) يحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضور، أو يمتنع ـ عند حضوره ـ عن الإجابة بالجزاءات المنصوص عليها فى المادتين 78 و80 من قانون الإثبات (الغرامة ـ أو الأمر بإحضاره على حسب الأحوال).
(ب) يأمر بالإنابة القضائية (م 37).
سادساَ: حكم التحكيم وإنهاء الإجراءات:
ــــــــــــــــ
حدد المشرع ميعاداَ تلتزم هيئة التحكيم خلاله بإصدار الحكم المهنى للخصومة إذا لم يتفق الطرفان على ميعاد، وهذا الميعاد الذى حدده المشرع هو (اثنى عشر شهراَ من تاريخ بدء الإجراءات) يجوز مده لمدة لا تزيد على (ستة أشهر ما لم يتفق الطرفان على مدة تزيد على ذلك).
فماذا إذاَ لم تصدر الهيئة الحكم خلال هذا الميعاد؟
فى حالة تحقق هذا الغرض أجاز المشرع لأي من الطرفين أن يطلب من رئيس المحكمة المختصة ـ على حسب الأحوال ـ أن يصدر أمراَ بتحديد ميعاد اضافي أو بإنهاء إجراءات التحكيم، فإذا صدر الأمر بإنهاء الإجراءات يكون لأي من الطرفين اللجوء الى قضاء الدولة برفع دعواه الى المحكمة المختصة أصلاَ بنظرها.
أما إذا صدر حكم هيئة التحكيم، فإن المشرع ألزم الصادر لصالحه هذا الحكم أن يودع أصله أو صورة موقعة منه باللغة التى صدر بها أو ترجمة باللغة العربية مصدقاَ عليها من جهة معتمدة إذا صدر بلغة أجنبية وذلك فى قلم كتاب المحكمة المختصة ـ على حسب الأحوال ـ التى يحرر كاتبها محضراَ بهذا الإيداع مع إعطاء من يطلب من الطرفين صورة منه (م 47).
سابعاَ: بطلان حكم التحكيم:
ــــــــــ
الأصل أنه وإن كانت أحكام التحكيم لا تقبل الطعن بها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها فى قانون المرافعات المدنية والتجارية، إلا أن المشرع أجاز الطعن فيها بطريق دعوى البطلان (م 52) فى حالات عددتها (م 53) لوحظ فى إيرادها أن تتطابق مع الحالات المنصوص عليها فى (م 5) من اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها الصادرة عام 1958 والتى انضمت إليها مصر فى 9 مارس 1959 والمنشورة بملحق الوقائع المصرية العدد (35) فى 5 مايو 1959.
ولأهمية دعوى البطلان بحسبانها الوسيلة الوحيدة للطعن فى أحكام المحكمين فإن نزول مدعى البطلان عن حقه فى رفعها قبل صدور حكم التحكيم لا يعتد به، إذ لا يحول دون قبولها.
كما انعكست هذه الأهمية أيضاَ على تحديد المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان فى غير التحكيم التجارى الدولي، إذ حددها المشرع بكونها محكمة الدرجة الثانية التى تتبعها المحكمة المختصة أصلاَ بنظر النزاع، أما فى التحكيم التجاري الدولي فهى ذات المحكمة المختصة بكل مسائل هذا النوع من التحكيم وهى محكمة استئناف القاهرة إلا إذا اتفق على اختصاص محكمة استئناف أخرى.
ثامناَ: حجية أحكام المحكمين وتنفيذها:
ــــــــــــــــ
اعترف المشرع لأحكام المحكمين بحجية الأمر المقضي وكونها واجبة النفاذ (م 55).
واختص رئيس المحكمة المختصة ـ على حسب الأحوال ـ أو من ينوبه من قضاتها بإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين بناء على طلب يقدم اليه مرفقاَ به: 1) أصل الحكم أو صورة موقعة منه وترجمته مصدق عليها إذ لم يكن الحكم صادراَ بالعربية. 2) صورة من اتفاق التحكيم. 3) صورة من المحضر الدال على إيداع الحكم (م 56).
وقد أخذ المشرع بقاعدة مؤداها: أن رفع دعوى البطلان لا تحول دون تنفيذ حكم التحكيم إلا إذا أمرت المحكمة بوقف تنفيذه بناء على طلب المدعى ذلك فى صحيفة الدعوى على أن يكون الطلب مبنياَ على أسباب جدية.
وحدد المشرع مدة ستين يوماَ من تاريخ أول جلسة محددة لنظر وقف التنفيذ ميعاداَ للفصل فيه.
وأجاز المشرع للمحكمين ـ إذا أمرت بوقف التنفيذ ـ أن تأمر بتقديم كفالة أو ضمان مالي، كما ألزمها ـ إذا أمرت بوقف التنفيذ ـ أن يفصل فى دعوى البطلان خلال ستة أشهر من تاريخ صدور هذا الأمر (م 57). وفى تقديرنا أن الميعادين المنصوص عليهما همـا ميعادان تنظيميان، إذ لم يرتب المشرع على مخالفتهما أي جزاء.
وقد نص المشرع على عدم قبول طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى البطلان قد انقضى (م 58/1) (التسعين يوماَ التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه المنصوص عليها فى م 54/1) ومفاد ذلك أنه إذا لم يكن هذا الميعاد قد بدء بعد أو كان قد بدء ولم ينتهى وقد طلب تنفيذ الحكم فإنه على المحكمة أن تقضى بعدم قبوله.
أما عن التظلم من الأمر الصادر بشأن حكم التحكيم: فقد كان المشرع يفرق من حيث جواز التظلم من عدمه بين ما إذا كان الحكم صادراَ بتنفيذ الحكم أم كان صادراً برفض تنفيذه، ففى الحالة الأولى (صدور الأمر بتنفيذ الحكم) لم يجيز المشرع التظلم من هذا الأمر، أما فى الحالة الثانية (صدور الأمر برفض التنفيذ) فإن المشرع أجاز التظلم من هذا الأمر خلال ثلاثين يوماَ من تاريخ صدوره الى المحكمة المختصة على حسب الأحوال (م 58/3).
وليس ثمة شك فى أن هذا النص يمنحه الطرف الذى يتقدم بطلب تنفيذ حكم المحكمين الحق فى التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ ليثبت توافر طلب الأمر بتنفيذ الحكم على الضوابط التى تطلبها القانون وحرمانه الطرف الآخر فى خصومة التحكيم مكنه التظلم من الأمر الصادر بالتنفيذ لينفي فى المقابل توافر طلب الأمر بالتنفيذ على الضوابط عينها يكون قد مايز ـ فى مجال ممارسة حق التقاضى ـ بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية دون أن يستند هذا التمييز الى أسس موضوعية تقتضيه بما يمثل إخلالاَ بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون وعائقاَ لحق التقاضي مخالفاَ بذلك أحكام المادتين (40 و68) من الدستور بما يجعله غير دستوري.
وقد طعن بالفعل على هذا النص أمام المحكمة الدستورية العليا فى الطعن رقم (92) لسنة 21 ق دستورية وصدر الحكم بجلسة 6 يناير 2001 قاضياَ بعدم دستوريته.
وإذا كان مؤدى هذا الحكم انفتاح طريق التظلم لمن صدر ضده الأمر بتنفيذ حكم التحكيم إلا أن الأمر يقتضي تدخلاَ تشريعياَ لتنظيم هذا التظلم (إجراءاته ـ ميعاده ـ شروطه .. الخ).
خاتمـــة:
ــــــ
…، وبعد، إذا كان التحكيم ـ بحسبانه أحد بدائل اللجوء الى قضاء الدولة ـ هو نوع من القضاء الاتفاقى مبناه حرية إرادة أطرافه بما لازمه أن اتفاق التحكيم يعد قاعدة الأساس وقانون الهيئة التى تباشر الحكيم، ولازمة أيضاَ أن هذه الهيئة تتمتع باستقلال كبير فى مباشرتها لعملها، إلا أن ذلك كله لا يعنى الانفصال التام والقطيعة الكاملة بين القضائيين، فهناك من المسائل ـ التى سلف بيانها ـ ما لا غنى لهيئة التحكيم عن الاستعانة فى شأنها بقضاء الدولة، وهذه المسائل تشكل دوراَ طبيعياَ لهذا القضاء فى منازعات التحكيم، بيد أنه ـ وحتى يؤتى قضاء التحكيم أكله ـ فلا بد ألا يتعدى هذا الدور المعقود لقضاء الدولة حدوده الطبيعية، بل يتعين أن يقف عند تخوم الدور المعقود لهيئة التحكيم، فتتوازن الأمور بين القضائين، ليظل لقضاء التحكيم دوره الفعال فى حسم ما يطرح عليه من أنزعة.
* * *