المستشار التحكيمى الادارة
عدد المساهمات : 791 تاريخ التسجيل : 25/06/2010
| موضوع: القضاء فى زمن النبى عليه افضل الصلاة والسلام الإثنين أغسطس 20, 2012 12:09 pm | |
| كانت سلطة القضاء وتطبيق نصوص التشريع الإسلامي على الوقائع لرسول الله صلى الله عليه وسلم , استمدها من الله سبحانه بقوله تعالى ( فأحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق)( المائدة -48) وكان منصب القضاء يتولاه النبي صلى الله عليه وسلم في بادىء الأمر بنفسه , لأنه المرجع الوحيد لتلقي الأحكام الشرعية فيما يحدث من المسائل والأقضية , فإذا شجر بين الناس نزاع أو عرض لهم حادث , وأرادوا معرفة حكم الإسلام فيه لينفذوه ذهبوا من تلقاء أنفسهم ليحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيحكم بينهم بما ينزل الله عليه من الوحي تارة , وبأقواله وأفعاله التي تصدر عن اجتهاده تارة أخرى روى الإمام احمد في مسنده عن أم سلمه هند زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : ( جاء رجلان يختصمان في مواريث بينهما قد درست ليس بينهما بينة , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تختصمون إلى رسول الله وإنما أنا بشر ولعل بعضكم ألحن (أي أفطن وأقدر على البيان) بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع , فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه , فإنما أقطع له قطعة من النار , فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما حقي لأخي ,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إذاً فقوما فأذهبا , فلتقتسما ثم توخيا الحق ثم أستهما (أي اقترعا) ثم ليحل كل واحد منكما صاحبه ) فكان عليه الصلاة والسلام يحكم في جميع المسائل التي تلقى إليه وفق الدليل الذي يثبت الدعوى ولو ظاهراً على خلاف الواقع , فكان يقول : ( أمرت أن أحكم بالظاهر . والله يتولى السرائر ) ومعنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له صفتان في أحكامه , الصفة الأولى بوصفه مشرعاً والصفة الثانية بوصفه قاضياً فهو في الأولى لايخطىء وإن أخطأ رده الله إلى الصواب في حين أنه في الثانية معرض للخطأ , فقد جاء في كتب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق أراد أن يعطي نصف أثمار نخيل المدينة لغطفان على أن لا يحاربوه مع قريش لكي يكسر شوكة الأحزاب فلما سمع السعدان سعد بن عبادة رئيس الخزرج وسعد بن معاذ رئيس الأوس قالا : يا رسول الله هل ذلك بوحي من الله , أم رأي رأيته ؟ قال : بل رأي رأيته , فقالا لا وحقك لا نعطيهم نصف ثمرة , فأجابهما الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ما رأيا . وكان إذا قضى صلى الله عليه وسلم في مسألة , تقدم إليه المحكوم عليه , بمقتضى الوازع الديني الذي هذب أخلاقه , لكي ينفذ الحكم عليه , عقب النطق بالحكم إذ قال تعالى ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما) (النساء -65) اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فقال أحدهما أن ابني كان عسيفاً ( أي أجيراً) على هذا , فزنى بامرأته , وأني أخبرت أن على ابني جلد مائه , فافتديت منه بمائة شاة , وجارية لي , ثم إني سألت اهل العلم فأخبروني إنما على ابني مائة جلده وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته (لأنها محصنة) , فحكم النبي بقوله : ( أما غنمك وجاريتك فرد عليك ( أي مردودة عليك لا تنوب عن الحد ) وجلد ابنه مائه وغربه عاماً , وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر , فإن اعترفت رجمها , فاعترفت فرجمها) ومعنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع في يده السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية , إذ كان يقضي وينفذ ما يقضي به إما بنفسه أو بمن ينتدبهم للتنفيذ كما إنتدب أنيساً لتنفيذ الرجم على الزانية أما طرق الإثبات عنده عليه الصلاة والسلام فمنها البينة , والبينة في الشرع اسم لما يبين الحق ويظهره , فكان صلى الله عليه وسلم يقول : ( البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه) وروى مسلم في صحيحه عن بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو يعطى الناس بدعواهم لأدعى الناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه) ومن طرق الإثبات شهادة الشهود وكان عليه الصلاة والسلام يقول ( أكرموا الشهود فإن الله تعالى يحي بهم الحقوق , وقد بين صلى الله عليه وسلم من تقبل شهادته ومن لا تقبل شهادته في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تجوز شهادة خائن (في الدين أو المال أو الأمانة) ولا خائنه ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر (حقد) على أخيه ) وقد اخرج هذا الحديث أبي داود والترمذي ومن طرق الإثبات عنده الكتابة , كما حكم بالقافة , وبذلك أقرت الشريعة الإسلامية هذا النوع من الإثبات , فقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالقافة , وجعلها دليلاً من أدلة النسب وعمل خلفاؤه الراشدون والصحابة بها ولو أن الحكم بالقافة في اعتقاده إنما هو حكم بالشبه قالت عائشة رضي الله عنها : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسرور تبرق أسارير وجهه فقال : أي عائشة ! الم تري أن مجززاً المدلجي (وهو قائف) دخل ورأى أسامة (أي اسامة بن زيد) وكان اسود وزيداً ( أي زيد بن حارثة) وكان أبيض وعليهما قطيفة قد غطيا رأسيهما وبدت أقدامهما , فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض ) وذلك يدل على أن إلحاق القافة يفيد النسب , وكان النسب ثابتاً بالفراش ولكن الناس كانوا يقدحون في نسبه لكونه أسود وأبوه أبيض , فلما شهد القائف بأن تلك الأقدام بعضها من بعض سر النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الشهادة التي أزالت التهمة , والحقت الفرع بأصله غير ناظر إلى سواد الإبن الذي منشأه سواد أسامه من أمه أم أيمن الحبشية وكذلك حكم عليه الصلاة والسلام أحكاماً كان رائده فيها الفراسة , ولا عجب في ذلك فقد مدح الله سبحانه وتعالى الفراسة وأهلها في كتابه فقال تعالى ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين )(الحجر-75) وقال تعالى ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم )(البقرة-272) وبذلك أقر الإسلام الفراسة ونصح بالحكم بها مستعيناً بالإمارات والعلامات والقرائن التي تظهر الحق من الباطل
لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم وابتدأ عهد الصحابة بخلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كانت سلطة القضاء يتولاها الخليفة , فلم يتخذ قاضياً يخصه بالقضاء كما فعل الخليفة عمر رضي الله عنه من بعد , بل كان القضاء يتولاه الخليفة بنفسه , وتارة يعهد به إلى غيره , واستمر العمل بهذا حتى أول خلافة عمر , وقد قيل في خلافة أبي بكر تولى عمر بن الخطاب منصب القضاء وكان أول قاضي للخليفة , ولكن الراجح أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من عين قضاة مختصين بالقضاة في الخصومات بين الناس , وإنما كان أبي بكر رضي الله عنه يفوض إلى عمر رضي الله عنه أحياناً النظر في الوقائع التي كان يدلي الخصوم بها إليه غير إنه لم يختصه بالقضاء ولم يكن لعمر بن الخطاب رضي الله عنه اسم قاض في زمن الخليفة أبي بكر رضي الله عنه ولم يحمل ذلك اللقب , ولم يكن عمله مقصوراً على القضاء بل تناول الإمامة وغيرها . قسم أبو بكر جزيرة العرب إلى ولايات , وأقام على كل منها أميراً من قبله , وكان هذا الأمير يقيم الصلاة بين الناس , ويقضي في القضايا التي ترفع إليه , كما كان يقيم الحدود , وبذلك أعطى أبو بكر لكل أمير في ولايته جميع السلطات الثلاث , غير أنه لم يول قضاة يباشرون القضاء دون الأمراء , بل كان أمراء الجند هم ولاة الأمر في العراق والشام , وكان كل واحد منهم يولي بنفسه واحداً من قبله على الناحية التي فتحها , والتي لم يستقر للدولة الإسلامية الأمر فيها نهائياً فكان بذلك نائباً عنه في تلك الناحية قضى أبو بكر رضي الله عنه كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم , وولى ولاته على الأمصار , ليقضوا بينهم فيها , لان القضاء كان معتبراً كما تقدم من أعمال الخليفة كإمامة الصلاة وغيرها , ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الاجتهاد بالرأي والقياس في أيامه , فإن أبا بكر ومن جاء بعده من الخلفاء الراشدين لم يعتمدوا عليه إلا قليلاً , خشية ما قد يقعون فيه من خطاء في الأحكام , حتى لا يجرأ أحد على الإفتاء بين الناس عن جهل , وكان أبو بكر يقول إذا أفتى بالرأي والقياس : ( هذا رأي فإن يكن صواباً فمن الله , وإن يكن خطاً فمني , وأستغفر الله ) توفي أبو بكر الصديق وولي الخلافة بعده عمر في اليوم الذي توفى فيه أبو بكر بوصية منه , وهو بتفرغه للسياسة العامة , وللحروب التي قامت بين الدولة الإسلامية والدولتين الفارسية والرومانية , والتي أنتجت اتساع نطاق الإسلام , وشغلت الخليفة عن التفرغ للقضاء فعمد إلى تعيين قضاة مختصين بالفصل في الخصومات وفض المنازعات , وبعد أن كان القضاء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه , جزءاً من الولاية أصبح في عهد عمر منفصلاً عنها ويعهد يه إلى شخص آخر غير الوالي , سمي لأول مره بالقاضي ,فعين أبا الدرداء ثم يزيد بالمدينة وولى شريحاً قضاء الكوفة ( روي أن عمر رضي الله عنه أخذ فرساً من رجل على سوم , فحمل عليه فعطب , فخاصمه الرحل فقال عمر : أجعل بيني وبينك رجلاً فقال الرجل : إني أرضى بشريحا العراقي , فقال شريح : أخذته سليماً صحيحاً فأنت له ضامن حتى ترده صحيحاً سليماً , قال فكأنه أعجبه فبعثه قاضياً , وقال ما استبان لك من كتاب الله فلا تسأل عنه , فإن لم يستبن في كتاب الله فمن السنة , فإن لم تجده في السنة فأجتهد رأيك ) وولى أبو موسى الأشعري بالبصرة وولى قيس بن أبي العاص قضاء مصر فكانوا بذلك من أول القضاة في الإسلام , أما بقية الأمصار والولايات فقد عهد بالقضاء فيها إلى الأمراء , ولا يغرب عن الذهن , إن القضاء في عهد عمر كان سهلاً بسيطاً مجرداً من النظم الوضعية الكثيرة التي تشاهد الآن ولم يكن للقاضي كاتب ولا سجل فلم تدون الأحكام القضائية لأنها كانت تنفذ عقب صدورها وكان القاضي هو المنفذ لها , وكثيراً ما كان يتقدم المحكوم عليه بنفسه لتنفيذ الحكم عليه , ولم يكن هنالك من داع لوضع قانون للمرافعات , تنظم به الإجراءات أما المحكمة إذ كان القضاء في عهده الأول , فلم يتناول النظر في المصالح العامة , كالوقف وشئون الأيتام , وإنما تناولها فيما بعد
سار عمر سير أبي بكر فقد كان حريصاً على إتباع القرآن والسنة فيما جاء به وكان كباقي الصحابة لا ينسب القول بالرأي إلى الشريعة الإسلامية بل إلى نفسه , فقد قال عمر لما قال : ( هذا ما رأى الله ورأى عمر ! بئسما قلت هذا ما رأى عمر , فإن يكن صواباً فمن الله وإن يك خطاً فمن عمر ) وكان عمر يرجع إلى القرآن والسنة فإن لم يجد فيهما جواب للمسألة , نظر فإن كان لأبي بكر قضاء فيها قضى به وإلا دعا رؤساء الناس فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به كان عمر من أظهر الصحابة استعمالاً للرأي وقد ضرب فيه بسهم وافر وساعده على ذلك اتساع رقعة الدولة الإسلامية في زمنه اتساعاً عظيماً وسريعاً وما صادفه من الأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي نتجت عن هذه الفتوحات والتي كانت تتطلب تشريعاً يطبق عليها وعلى أمثالها فقد روى عنه الشيء الكثير من الأحكام المستنبطة من استعمال الرأي والتي كانت هدى ونور اً لمن أتى بعده من الفقهاء , فكان عمر يجتهد في تعرف الحكمة التي نزلت فيها الآية ويحاول معرفة المصلحة التي جاء من أجلها الحديث ويأخذ بالروح لا بالحرف وعلى ضوء هذه وتلك يسترشد عند ما يفصل في المسألة المعروضة عليه , وكان عمر جريئاً في العمل بالرأي ولو خالف ذلك بعض النصوص والقواعد التي كانت معروفة ومعمولاً بها من قبل ومثال على ذلك - قال تعالى في كتابه العزيز ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم) وتطبيقاً لما جاء بهذه الآية الكريمة , كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم الزكاة ومنهم أبو سفيان والأقرع بن حابس وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن , وكان يعطي الواحد منهم مائة من الإبل , ولما ولي أبو لكر الخلافة سار على ما كان يتبعه الرسول وجاءه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس يطلبان أرضاً فكتب لهما بهما , ولما ولي عمر مزق الكتاب وقال : (( إن الله أعز الإسلام وأغنى عنكم , فإن ثبتم عليه , وإلا فبيننا وبينكم السيف )) وبذلك منعهم نصيبهم من الزكاة اهتدى عمر من الآية الشريفة السابقة إلى الحكمة في إعطاء الزكاة إلى المؤلفة قلوبهم , فلما وجد أن الإسلام أعزه الله , وأصبح في غير حاجة لمعونتهم , منع إعطاء الزكاة لهم . كذلك نجد عمر يعفي السارق من قطع اليد , إذا ما انتشرت المجاعة في البلاد فقد روي أن غلماناً لحاطب بن أبي بلتعه سرقوا ناقة لرجل من مزينة , فأتى بهم عمر فأقروا , فأرسل إلى عبد الرحمن بن حاطب فجاء فقال له : إن غلمان حاطب سرقوا رجل من مزينة وأقروا على أنفسهم , فقال عمر : يا كثير بن الصلت اذهب فأقطع أيديهم , فلما ولى بهم رده عمر ثم قال : أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم , حتى أن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه , حل له , لقطعت أيديهم , وأيمن الله إذ لم أفعل ذلك , لأغرمنك غرامة توجعك , ثم قال : يا مزني بكم أريدت منك ناقتك ؟ قال : بأربعمائة , قال عمر : أذهب فأعطه ثمانمائة . نلاحظ هنا أن عمر حكم على حاطب بن أبي بلتعه بدفع الثمانمائة , ولم يحكم على غلمانه السارقين ,لانه كان السبب المباشر لتحريضهم على السرقة , أما هم فكانوا في حالة اضطرار للسرقة ليسدوا بها رمقهم , وهذا العذر هو الذي جعل عمر يتسامح في عدم قطع أيديهم . وكان عمر أكثر الخلفاء الراشدين محبة للشورى مع فقهه , فقلما أقدم على أمر إلا بعد استشارة أعلام الصحابة وفقهائهم من المهاجرين والأنصار , وتمحيص آرائهم كل تمحيص , فكانت له شورى خاصة يلتمسها في مثل عثمان بن عفان والعباس بن عبد المطلب وعبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وغيرهم , وشورى عامة صورتها أن يتقدم له كل من له رأي من المسلمين , عندما يعرض الأمر عليهم في المسجد , وربما استشار بعد ذلك خاصته زيادة في التحفظ , وكثيراً ما كان يرجع عن رأيه إذا ما ثبت له خطأه ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى بامرأة زنت فأقرت , فأمر برجمها , فقال علي رضي الله عنه : لعل بها عذراً ثم قال لها : ما حملك على الزنا , قالت : كان لي خليط وفي إبله ماء ولبن , ولم يكن في إبلي ماء ولا لبن , فظمئت فاستقيته فأبى أن يسقيني حتى أعطيه نفسي , فأبيت عليه ثلاثاً فلما ظمئت وظننت أن نفسي ستخرج أعطيته الذي أراد , فسقاني , فقال علي : الله أكبر فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم , وفي السنن للبيهقي عن أبي عبد الرحمن السلمي : ( أتى عمر بامرأة جهدها العطش , فمرت على راع فاستقت , فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه نفسها ,ففعلت , فشاور الناس في رجمها , فقال علي : هذه مضطرة أرى أن يخلى سبيلها ففعل ) وهذه هي نظرية الضرورة في القانون الجنائي الحديث . أما سيرة عمر مع عماله , فلم يكن الوالي في نظره إلا فرداً كغيره من الأفراد يجري عليه حكم العدل كما يجري على جميع الأفراد الآخرين فكان إذا شكا من العامل أحقر الرعية جره إلى المحاكمة وهنا يقف الاثنان موقف المساواة حتى يتبين الحق في جانب أحدهما مراعياً في ذلك قوله تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )وقوله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع ( لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ) , فإذا ثبت لعمر إدانة عامله اقتص منه , وأختط عمر طريقة حسنه تكفل للرعية ألا يظلمها الولاة والعمال إذ أمرهم بأن يأتوا إليه كل سنة في موسم الحج , وسمح لكل من أصابه مكروه أو أوقع العمال عليه ظلماً أن يدعي بذلك على العامل في حضرته ليرد إلى المظلوم حقه وينصفه من خصمه وفق قوله عليه الصلاة والسلام ( إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم مني مجلساً , إمام عادل وأبغض الناس إلى الله وأبعدهم مجلساً إمام جائر ) , فكان العمال يخافون الافتضاح على رؤوس الأشهاد في موسم الحج فيتجنبون ظلم الرعية ويسيرون بين الناس بالعدل والإنصاف , وقد خطب عمر رضي الله عنه في الناس كثيراً لبث هذه الروح في الرعية , ومن خطبه قوله : ( يا أبها الناس إني والله لا أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم ( جلودكم) ولا ليأخذوا أموالكم , ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم ويقضوا بينكم بالعدل , فمن يفعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي , فو الذي نفس عمر بيده لاقصنه منه) . وكان عمر شديد التدقيق في انتخاب القضاة فقد روي عنه قوله ( من استعمل رجلاً لمودة أو لقرابة , لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله و رسوله والمؤمنين ) وكان أخص ما يتحراه في القضاة والعمال التقوى والعدالة والعلم والمعرفة والذكاء وكان لا يحب العجلة في الفصل في الخصومات ويقول : ( ردوا الخصوم حتى يصطلحوا , فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن ) ولم تؤثر في تصرفاته عواطفه الخاصة ونزعات قلبه ومحبته لاخوانه , بل كان ديدنه في جميع أعماله الصراحة والعدل , فقد خاصم يهودي الإمام علي بن أبي طالب أمام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب , وعلي – كما لا يخفى – ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته , وأحد المرشحين للخلافة , فقال له عمر قم يا أبا الحسن , وأجلس أمام خصمك , ففعل , ولكن مع تأثر لاح على وجهه , فلما انتهت الخصومة قال له عمر : أكرهت يا علي أن تجلس أمام خصمك ؟ فقال : كلا ولكني كرهت أنك لم تلاحظ المساواة بيننا بقولك يا أبا الحسن ( إذ الكنية تشير إلى التعظيم ) قتل رضي الله عنه غدراً وهو قائم يصلي بالناس بخنجر طعنه به أبو لؤلؤة فيروز المجوسي سنة 23هجرية .
بعد وفاة عمر رضي الله عنه انتخب الناس عثمان بن عفان رضي الله عنه , كان عثمان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان أبو بكر وعمر يستشيرانه , ويعملان برأيه , في جلائل الأعمال ومهام الأمور , ولما بويع بالخلافة حذا حذو عمر بن الخطاب ومن سبقه في حسن اختيار القضاة وتذويدهم بالنصائح , وكان يعتمد في قضائه على الكتاب والسنة ثم على قضاء من سبقه من الخلفاء الراشدين فكان إذا لم يجد فيها جواب مسألته رجع إلى استشارة الصحابة في الأمر عملاً بقوله تعالى ( وأمرهم شورى بينهم ) وقد اشتهر عثمان بالفقه , وكان من رواة الحديث , يقول بن حجر : ( إنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر , كما روى عنه أولاد عمر ومن الصحابة بن مسعود , وعبد الله بن عمر . وعبد الله بن العباس , وعبد الله بن الزبير , وزيد بن ثابت , وأبو هريرة وغيرهم , ومن التابعين الأحنف بن قيس , وسعيد بن المسيب كان عثمان يعتقد كباقي الخلفاء الراشدين بأن الرأي الذي يفتي به ليس بلازم للأمة أن تأخذ به , فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه أرسل عثمان إلى العمال والقواد وعمال الخراج وعامة المسلمين بالأمصار كتباً يحثهم فيها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعطف على أهل الذمة وجباية الخراج بالعدل والإنصاف ونصح عمال الخراج فقال : ( أما بعد فأن الله خلق الخلق بالحق ولا يقبل إلا الحق , خذوا الحق وأعطوا الحق به , والأمانة الأمانة , قوموا عليها ولا تكونوا أول من يسلبها فتكونوا شركاء من بعدكم , الوفاء الوفاء لا تظلموا اليتيم ولا المعاهد فإن الله خصم لمن ظلمهم ) جلد عثمان معتادي السكر , وهدد بالنفي عن المدينة كل من عكف على البدع , فاستقامت أحوال الرعية قتل عثمان وهو يتلو في مصحفه , وبعد أن منع عنه البغاة الماء , قتله الغافقي بحديدة كانت معه وجاء غيره من الثوار ليضربه بسيفه , فأكبت عليه زوجه نائلة وتلقت السيف عنه بيدها فقطع أصبعها , ثم ضربوا عنقه , وانتهبوا بيت المال وكان ذلك في 18 ذي الحجة سنة 34هجريه .
بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه تنازع الناس في من يتولى الخلافة , وفي أحوال مضطربة قلقة بويع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان عمر يستشير علياً عملاً بقوله عليه الصلاة والسلام ( ما شقي امرؤ عن مشورة ولا سعد باستبداد رأي ) ويستفتيه في الأحكام الشرعية كما كان يستشيره باقي الخلفاء الراشدين , وكان علي يعتمد على القرآن والسنة في قضائه ثم على قضاء من سبقوه من الخلفاء الراشدين , وكان إذا لم يجد رجع إلى استشارة الصحابة في المسألة المعروضة عليه , عملاً بقوله تعالى لنبيه الكريم ( وشاورهم في الأمر ) وقد حذا حذو من سبقه من الخلفاء الراشدين في اختيار القضاة و إمدادهم بالنصائح , فكتب إلى الاشتر أحد عماله عندما ولاه مصر فقال : ( اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم . ولا يتمادى في الذلة ( الخطأ ) ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه , ولا تشرف نفسه على طمع , ولا يكتفي بأدنى فهم إلى أقصاه , أوقفهم في الشبهات , وآخذهم بالحجج و أقلهم تبرماً بمراجعة الخصم , وأصبرهم على تكشف الأمور , و أصرمهم عند اتضاح الحكم , ممن لا يزدهيه إطراء , ولا يستميله إغراء , وأفسح له في البذل بما يزيد علته وتقل معه حاجته إلى الناس , وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ) وكان يرجع للإمام علي في كثير من مسائل الدين وتفسير القرآن ورواية الحديث وكثيراً ما استفتي في المواريث و والمشكل من القضايا , فقد قضى أن الزوجة التي توفى زوجها قبل أن يدخل بها , ودون أن يفرض لها صداقاً , لا حق لها في صداق المثل ,قياساً على المطلقة , إذ قال تعالى ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ) وقضى في رجل فر من رجل يريد قتله , فأمسكه له آخر حتى أدركه فقتله , و بقربه رجل ينظر إليهما وهو يقدر على تخليصه , فوقف ينظر إليه حتى قتله , فقضى على أن يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت , وتفقأ عين الناظر الذي وقف ينظر ولم ينكر , ولعل علي رأى تعزيره بذلك وروي أن ستة غلمان ذهبوا يسبحون , فغرق أحدهم , فشهد ثلاثة على اثنين أنهما أغرقاه , وشهد اثنين على ثلاثة أنهم أغرقوه , فقضى على بن أبي طالب على الثلاثة بخمس الدية وعلى الاثنين بثلاثة أخماسها شكا إليه شاب نفراً فقال : ( إن هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر فعادوا ولم يعد أبي , فسألتهم عنه فقالوا : مات , فسألتهم عن ماله , فقالوا : ما ترك شيئاً , وكان معه مال كثير , وترافعنا إلى شريح , فأستحلفهم وخلى سبيلهم , فدعا علي بالشرط فوكل بكل رجل رجلين , وأوصاهم أن لا يمكنوا بعضهم أن يدنوا من بعض , ولا يسمحوا لأحد أن يكلمهم , ودعا كاتبه ودعا أحدهم , فقال : أخبرني عن أبي هذا الفتى , أي يوم خرج معكم ؟ وفي أي منزل نزلتم وكيف كان سيركم ؟ وبأي علة مات ؟ وكيف أصيب بماله ؟ وسأله عن من غسله ودفنه ومن تولى الصلاة عليه وأين دفن ؟ وتحو ذلك والكاتب يكتب , ثم دعا آخر بعد أن غيب الأول عن مجلسه , فسأله كما سأل صاحبه , ثم الآخر هكذا حتى عرف ما عند الجميع , فوجد كل واحد منهم يخبر بغير ما أخبر به صاحبه فضيق عليهم فأقروا بالقصة , فأغرمهم المال وأفاد منهم بالقتيل . وكان علي رضي الله عنه لا يحبس في الدين , ويقول إنه ظلم , وقد سار الإمام على خطى أسلافه في رفع شأن القضاة , ومنحهم رواتب من النقود أو الطعام , بما يكفيهم ويكفي أولادهم من بيت المال فكان القضاء في عهده مستقلاً محترم الجانب عظيم الإجلال , وكان القاضي غزير العلم واسع المعرفة يتساوى أمامه الرفيع والوضيع والمسلم والذمي عملاً بقوله تعالى ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) وقوله عليه الصلاة والسلام ( العدل أساس الملك ) . قتل علي غيلة بسيف مسموم ضربه به عبد الرحمن بن ملجم أحد الخوارج وهو ينادي لصلاة الصبح بمسجد الكوفة في 17 رمضان سنة 40هجريه ومع ذلك فقد جمع أبنائه وقال لهم : ( إذا أنا مت من ضربته هذه فأضربوه ضربة بضربه , ولا يمثل بالرجل , فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إياكم و المثلة ولو بالكلب العقور ) ) وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم عمر بن عبد العزيز رجل نشأ في بيت الإمارة، وتقلب في نعيمها، وعاش حياة البذخ والرفاهية كغيره من أبناء الخلفاء وسلالات الملوك؛ حتى اشتهر عنه أنه كان يستخشن الحرير لنعومة جلده، هذا الفتى الذي ولي إمارة المدينة النبوية المنورة وهو في السادسة والعشرين من عمره، وولي الخلافة قبيل الأربعين كان خير خلفاء بني مروان، وآخر خليفة أجمع الناس على عدله حتى من خصومه. لم تدم خلافته أكثر من سنتين وخمسة أشهر فقط، لكنه أنجز فيها ما عجز عن تحقيقه كثير من السلاطين والأباطرة والأمراء عبر التاريخ، على الرغم من اتساع رقعة خلافته بدءاً من الصين شرقاً وحتى شمال إسبانيا غرباً، ومن صعوبة التواصل بينه وبين أمراء الأقاليم إلا بِجُهْدٍ كبيرٍ وَوَقْتٍ كثيرٍ. هذا الرجل الذي اشتكى من عدله بنو عمه لَمَّا رَدَّ المظالم التي بأيديهم إلى أهلها، حتى فزعوا إلى عمته فاطمة بنت مروان لتكلمه، فلما رجعت إليهم قالت لهم: أنتم فعلتم هذا بأنفسكم، تزوجتم بأولاد عمر بن الخطاب فجاء يشبه جده. فأسكتتهم بذلك، نَعَمْ! لقد أدركه صلاح جَدِّهِ لأمه الفاروق عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَنِعمَ النَّسَبُ ذلك المَنْسَبُ وَنِعمَ الولد من ذلك الوالد، رضي الله عنهم وأرضاهم. كانت خلافة عمر بن عبد العزيز رَضِيَ اللهُ عَنهُ حافلة بالإنجازات، ولم تتجاوز السنتين إلا ببضعة أشهر، ومنها:- = أمر زوجته فاطمة بنت عبد الملك برد الحُلِيِّ التي وهبها أبوها إلى بيت مال المسلمين، ففعلت على الفور. = كانت حديقة فدك وقفاً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينفق منها، ويعود منها على صغير بني هاشم، ويزوج منها أَيِّمَهُمْ، وكذلك كانت في حياة أبي بكر وعمر، فلما كان مروان بن الحكم اقتطعها لنفسه، حتى صارت لعمر بن عبد العزيز، فأعادها إلى ولد فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام. = منع شتم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنهُ من على منابر الجمعة، كما مضت به عادة بني أمية قبله. = أسقط الزيادة في الجزية عن النصارى من أهل تبوك وعن نجرانية الكوفة، كما أسقط الجزية وكل ضريبةٍ عمن أسلم من أهل خراسان. = أصلح الطرق، وأمر الولاة أن يجعلوا للناس خانات ( استراحات ) على الطرق العامة، وأن يُضِيْفُوا المسافرين يوماً وليلة، ويتعاهدوا فيها دوابهم، ومن كان منهم به علة فَيُضَافُ يومين وليلتين، ومن كان منهم منقطعاً فَيُبْلَغُ بِهِ بَلَدُهُ. = منع ولاته أن يَسْتَقِلُّوا بأوامر القتل والصلب قبل مراجعته. = أمر ولاته: أن من أراد من ذراري المسلمين أن يَحُجَّ فيعطى مائة درهم نفقةً لِيَحُجَّ بها. = بلغ العدل من قضاته مبلغاً لم يَسبِقْ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ مِثْلُهُ، وذلك أن أهل سمرقند شكوا إليه أن قائد جيش المسلمين فتح بلادهم دون أن ينابذهم كما أمر الله في كتابه العزيز { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ }، فكتب عمر إلى واليه: أن أَجْلِسْ لهم القاضي، فلينظر في أمرهم، فإن قضى لهم فَأَخْرِجْ الجيش إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم قبل أن تظهروا عليهم. فَأَجْلَسَ لهم القاضي: جميعَ بنَ حاضرٍ النَّاجِيَّ، فقضى ( أن يخرج عَرَبُ سمرقند إلى معسكرهم، وينابذوا أهل سمرقند على سواءٍ، فيكون صُلْحَاً جديداً أو ظَفَرَاً عَنْوَةً ). فلما رأوا ذلك رضوا بما كان. = ناظر الخوارج - في آخر أيامه - ولم يعجل عليهم وهم يومذاك قليل، وكان مما قاله لزعيمهم ( بلغني: أنك خرجت غضباً لله ولنبيه، ولستَ بأولى بذلك مِنِّيْ، فَهَلُمَّ إِلَيَّ أناظرك!؛ فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل فيه الناس، وإن كان في يدك نظرنا في أمرك ). ولما ناظرهم رجع منهم كثير. = بلغ من حكمته في سياسة الرعية يوم أن حادثه ابنه عبد الملك في أمر الإسراع في تحقيق العدل؛ وهو يقول لوالده: يا أمير المؤمنين!، ما تقول لربك إذا أتيته وقد تركت حقاً لم تُحْيِهِ وباطلاً لم تُمِتْهُ؟. يا أمير المؤمنين!، ما يمنعك أن تُنْفِذَ رأيك في هذا الأمر، فوالله ما كنت أُبَاْلِيْ أن تغلي بي وبك القدور في نفاذ هذا الأمر. فقال عمر لابنه: يَا بُنِيِّ!، إني أُرَوِّضُ الناس رياضة الصعب، فإن الله أبقاني مضيت لِنِيَّتِيْ ورأيي، وإن عَجِلَتْ عَلَيَّ مَنِيَّتِيْ لقد علم الله نيتي، وإني إِن بَادَهْتُ النَّاسِ بِمَا تَقُولُ أَحوَجُونِي إِلَى السَّيفِ، وَلاَ خَيرَ فِي خَيرٍ لاَ يَحيَا إِلاَّ بِالسَّيفِ. = وبلغ من سياسته في ترويض الناس ما أوضحه بقوله: لو أقمت فيكم خمسين عاماَ ما استكملت فيكم العدل، إني لأُرِيْدُ أن أُخْرِجَ للمسلمين أمراً من العدل، فأخاف أن لا تَحْتَمِلَهُ قلوبهم، فَأُخْرِجُ معه طمعاً من طمع الدنيا، فَإِنْ فَرَّتْ القلوب من هذا سكنت إلى هذا. = كان من حكمته في اختيار الأصحاب أن خطب قائلاً: أَيُّهَا النَّاس!، مَنْ صَحِبَنَا فَليَصْحَبْنَا بِخَمسٍ ، وَإِلاَّ فَلاَ يَقْرَبْنَا: يَرْفَعُ إِلَيْنَا حَاْجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيْعُ رَفْعَهَا، وَيُعِيْنُنَا عَلَى الخَيْرِ بِجَهْدِهِ، وَيَدُلُنَا مِن الخَيرِ عَلَى مَا نَهتَدِي إِلَيهِ، وَلاَ يَغتَابَنَّ أَحَدَاً، وَلاَ يَعتَرِض فِي مَا لاَ يَعْنِيْهِ. = وكان من رحمته ورأفته وشفقته بالمسلمين أن أمر بإجلاء المسلمين من ( طرنده ) في وسط تركيا اليوم إلى ( ملطية ) قريباً من الحدود السورية؛ خوفاً عليهم من الروم، وأجرى عليهم أرزاقهم، كما أمر من عبر نهر السند من المسلمين أن يعودوا إلى حيث يستطيع المسلمون الدفاع عنهم حتى يستقر أمر تلك البلاد، وأمر واليه أن يُوْقِفَ الغزو في تلك البلاد؛ اكتفاءً بما حصل، فكان أن انتشر الإسلام فيما وراء النهر بالدعوة وحسن المعاملة
| |
|